مما لا شك فيه أن الرؤيا والرسالة أعلاه فيهما أهداف عالية قد لا يمكن الوصول إليها أبدًا، ناهيك عن محاولة فعل ذلك انطلاقًا من مشروعنا المتواضع هذا. لكن مجرد صياغة ذلك الوضع المثالي المرجو، فيها حافز للسعي وراء تحقيقه أو حتى استكشاف معقوليته لعله يساهم في إشعال شرارة في عقول البعض أو يعبّر عن مزاج البعض الآخر. لهذا السبب، فهذا المشروع يحمل اسم «منارة»، وهو اسم فيه إقرار بصعوبة الهدف الذي يرفعه الكثيرون شعارًا وهو «التنوير»، وهو غاية المرام، لكنه حتى نكون صريحين مع أنفسنا ليس ما نفعله. فالمنارة بضوئها الصغير على الشاطئ لا تضيء سوى بقعة ضئيلة ولبرهة، نظرًا لدوران نورها باستمرار. لكن هذا النور الذي قد يكون خافتًا في خضم عاصفة ربما يهدي سفينة إلى بر الأمان، وحتى عندئذ يتعين على ربانها قيادتها نحو الشاطئ. والمبادرة في انطلاقها من مناصرة اللادينيين وتمكينهم لا تدعي أن هذا يكون منطلق حل سحري لمشاكل المجتمع، ولكنه أنه نقطة انطلاق مهمة.
لقد شهد العقدان الأخيران تحولات كبيرة في المجتمعات الإسلامية، يعود جزء كبير منها لانتشار المعرفة وسهولة الوصول إليها عبر الإنترنت، والتي أيضًا سهلت التواصل بين من ليسوا في نفس البقعة الجغرافية وفي إطار لا تقيده الرقابة المحلية. وقد ساعدت هذه العوامل في ظل أحداث كبيرة كالثورات العربية وظهور مجموعات مثل داعش والقاعدة على تمكين الناس من إعادة فحص الكثير من المسلّمات المتوارثة. هذه أمور توحي مجتمعة بأن الظروف الاجتماعية في طور النضوج نحو ما قد يكون تنويرًا حقيقيًا من نوع ما. ومشروع كهذا وغيره من المشاريع المشابهة لن تحدث التنوير، لكنها قد تكون بؤر متناثرة لتجمع نور قد تتقوى مع الوقت.
تقدم هذه الصفحة تصورًا أوليًا لطبيعة مشروع «مبادرة منارة» وأهدافه، وهي ليست صفحة ناجزة لكون هذا التصور عرضة للتحديث بناء على أشكال تطبيقه عمليًا.
سيتركز نشاط واهتمام مشروع «مبادرة منارة» في محورين مترابطين يتعلقان بتواجد وحياة اللادينيين في المجتمعات المسلمة، وبالأخص الناطقة بالعربية:
1. المحور الحقوقي
- توثيق قضايا الاضطهاد والإيذاء المتعلقة بحرية الرأي، لا سيما الدينية، وانتهاكات حقوق الإنسان عمومًا، والمشاركة مع منظمات حقوقية في حملات التضامن مع المتضررين ومناصرتهم إعلاميًا وقانونيًا إن أمكن.
- البحث في سبل مد العون لمن تركوا الدين داخل المجتمع المسلم، سواء للبقاء والعيش الآمن فيه أو الخروج منه.
- العمل على تطبيع الوجود العلني للادينيين والتواصل مع المؤمنين المهتمين بمناصرة قضايا حرية الرأي ومكافحة الآثار السلبية لقوانين الردة وازدراء الأديان وتطبيق القوانين الدينية على المجتمع.
- المناداة بعلمنة المجتمع والبحث عن سبل عملية لإتاحة المجال لاختيار الدين والتحرر من الدين دون عواقب سلبية ومكافحة قوانين ازدراء الأديان والردة.
- نبذ التمييز والتعصب بأشكاله، سواء أكان على أساس الدين أو العرق أو اللغة أو الجنس أو الميول الجنسية.
2. المحور التنموي والتوعوي
- البحث في سبل تمكين اللادينيين كأفراد وكجماعة وتنمية وتطوير دورهم كقوة فكرية واجتماعية منتجة ذات وجهة نظر مختلفة، وذلك عبر صياغة ومناقشة طروحات عقلانية استكشافية مبنية على العلم والدليل، ومراجعة ما هو قائم دون عداء تجاه أهل الدين، بل عبر التعاطي والتعاون معهم ما أمكن.
- خلق منصة لنقاش الجوانب الفكرية المتعلقة بنقاط الحوار المألوفة بين اللادينيين والمؤمنين ومحاولة تطوير النقاش والتعمق فيه.
- البحث في الخطاب اللاديني وسبل تطويره من حيث المحتوى والتقديم واستكشاف هوية اللادينيين.
- نشر ما أمكن من جوانب المعرفة والأخبار ذات الصلة وفتح باب النقاش فيها.
- المشاركة في دعم المشاريع والقضايا الاجتماعية ذات الطابع الإنساني والتي تفيد المجتمع ككل.
مرتكزات عامة
البنود التالية هي مجموعة أولية من المرتكزات التي ستتمحور حولها جهود المشروع.
- طبيعة الخطاب الإلحادي نقدية، وهذا على أهميته يفتقد إلى البديل. فما يقلق المؤمن هو فقدان ما يوفره له الدين من استقرار، لذا من الطبيعي أن لا يود سماع النقد الذي سيبدو هدامًا. طرح بدائل سيخفف من حدة ذلك.
- ليس مطلوبًا من البديل أن يتمثل بإيديولوجيا مكتملة تستبدل الدين بأكمله، فذلك النموذج بحد ذاته قد يعاني من نفس بعض مشاكل الدين علاوة على كونه طرح غير واقعي. والمسألة قد تستهدف مشاكل محددة لا سيما تلك التي لها أثر ملموس على حياة الناس والتي لها طرق معالجة أو حلول محددة.
- الوجود العلني للادينيين كأفراد وكجماعة هو أمر جديد يحتاج البحث والاستكشاف، فهو ليس فقط خروج إلى العلن، إنما هو أيضًا تطور لهوية وفكر من يخرجون. ورغم أن اللادينيين متعددو الاتجاهات والأصول، إلا أن الكثير من المشترك الذي يستحق الدراسة لفهم منطوياته وربما التفكير في سبل تطويعه واتجاهه المستقبلي.
- التأكيد على منهجية البحث العلمي وجعل النقد والعقلانية وقابلية الخطأ والتكرار بديلًا لجمود الدين ويقينه، والتأكيد على النهايات المفتوحة وغياب الحسم.
- الشفافية والنقد الذاتي والتأكيد على بشرية المجهود واستحالة الكمال والحاجة للتكرار والاعتراف بالخطأ والتقص والعمل على تصحيحه، والاعتراف بإيجابيات الطرف الآخر وليس فقط الإشارة إلى سلبياته.
العمل على تعميق النقاش إلى ما وراء الكلام السطحي المكرر والتسهيل على الملحد الجديد بالتعمق بجعل المعرفة متاحة بشكل واضح يمثل خلاصة تكون نقطة بداية لما هو أعمق
تنمية الترابط والتعاون بين الملحدين كأفراد ومجموعات وإشراك الجماعة والتأكيد على التعددية وعدم وجود صوت واحد، وأن التأكيد على التعددية هو قوة وليس ضعف، إفساح المنصة للجميع، وترك المجال لحرية التعبير كمبدأ أساسي
- تعدي قوقعة الاهتمام الحصري بقضايا الإلحاد ونقد الدين والعمل على بناء وجود في دوائر أوسع والبحث عن سبل التعاون مع غير اللادينيين في القضايا المشتركة والتفكير بسبل الخروج من دوائر مواقع التواصل الاجتماعي.
- توجد قضايا عديدة يتبناها اللاديني عادة وينادي بالدفاع عنها والمطالبة بها بحكم ظروفِ وملابسات موقعه في المجتمع وكتطوير طبيعي لموقفه الناقد، وعلى رأسها المطالبة بحرية الرأي والعقيدة، والحرية الشخصية، وحقوق الإنسان عمومًا والتسامح والمساواة، وهي أمور تنضوي تحت راية العلمانية والإنسانوية وليس الإلحاد تحديدًا، وهذا بالإضافة إلى هموم ومطالب عامة أخرى يشترك فيها اللاديني مع غيره.