خطى فريق علماء دولي خطوة مهمة نحو خلق آلة مفكرة. يقود الفريق باحثون من المعهد الوطني لعلوم المواد National Institute for Material Science في اليابان. حيث قاموا بتصنيع جهاز تجريبي ظهرت فيه خصائص موازية لما في الدماغ من قدرة على التعلم والتذكر والنسيان واليقظة والنوم. وقد تم نشر مخرجات البحث في ورقة بحثية ظهرت في «تقارير علمية» Scientific Reports الصادرة عن مجلة نيتشر Nature تحت عنوان Emergent dynamics of neuromorphic nanowire networks. وتصف الورقة الشبكة التي نتجت بأنها كانت في حالة «تدفق مستمر». ويقول أستاذ الكيمياء والكيمياء الحيوية جيمس جمزيوسكي James Gimzewski، وهو أحد أعضاء الفريق من جامعة كاليفورنيا في لوس آنجلس:
يقف هذا النظام على الحد الفاصل بين النظام والفوضى، وهو على حافة الفوضى… إن الجهاز يحاكي الدماغ البشري، من حيث أنه يتطور ويتحور على الدوام. وبمقدوره الإتيان بأنواع عديدة من أنماط السلوك التي لا تكرر نفسها.
ويعد هذا الإنجاز خطوة على طريق بناء حواسيب تشابه الدماغ من ناحية البنية والوظيفة، سيكون بمقدورها حل مسائل تجدها الحواسيب المعاصرة صعبة، وربما كذلك سيكون استهلاكها للطاقة أقل. أما الجهاز نفسه، فقد كان تشابكًا نانويًا من الفضة silver nanowire يبلغ متوسط قطرها 360 نانومتر (النانومتر هو جزء من مليار من المتر).

صورة بالمجهر الإلكتروني الماسح SEM تظهر تواصلات السلك النانوي (المقياس 10 ميكرونات)
تم طلاء الأسلاك النانوية بپوليمر عازل سمكه حوالي نانومتر واحد، وكانت الأبعاد الكلية للجهاز حوالي 10 ميليمترات مربعة، وهي من الصغر بحيث أن 25 منها تلزم لتغطية قطعة نقدية من فئة 10 سنتات أميركية.
أعطيت الأسلاك النانوية المجال لتتجمع تلقائيًا على رقاقة من السيليكون، فقامت الأسلاك بتكوين بنى شديدة الاتصال highly interconnected تشابه بشكل مذهل تلك التي تتكون في القشرة الحديثة neocortex (وهي الطبقة الخارجية من نصف الكرة الدماغية لدى الثدييات)، وتختص القشرة الحديثة بوظائف الدماغ العليا، كاللغة والفهم والإدراك.
وما يميز شبكة الأسلاك النانوية عن الدارات الكهربائية العادية هي أن مرور الإلكترونات (الكهرباء) فيها يؤدي بالهيئة المادية للشبكة أن تتغير. وقد أظهرت هذه الدراسة أن التيار الكهربائي أدى بذرات الفضة إلى أن ترتحل من داخل طبقة الطلاء حتى تشكل وصلات عند مواضع التي يتراكب فيها سلكان نانويان، حيث احتوى النظام على ما يقرب 10 ملايين من هذه التراكبات، والتي توازي عمل التشابكات العصبية synapses في الدماغ، والتي يتمركز فيها اتصال خلايا الدماغ ببعضها.
وقد لاحظ الباحثون «سلوكًا منبثقًا» emergent behavior عندما قاموا بوصل أقطاب كهربائية (إلكترودات) بتلك الشبكة التي صارت تشابه الدماغ. والسلوك المنبثق هنا، هو مميزات للشبكة ككل لا يمكن نسبتها أو اختزالها للأجزاء المفردة المكونة لها، وهذه خاصية أخرى تجعل من الجهاز يشابه الدماغ أكثر من تشابهه مع دارة كهربائية تقليدية.
وبعد انتهاء سريان التيار الكهربائي في الشبكة، استمرت الوصلات connections لمدة قاربت الدقيقة في بعض الحالات، وهو أمر يشابه عملية التعلم والاستذكار في الدماغ. وفي مرات أخرى، كانت الوصلات تنقطع بشكل مفاجئ بمجرد زوال التيار، بشكل يشابه عملية النسيان في الدماغ. وفي تجارب أخرى، عند سريان تيار ضعيف تصرف الجهاز بشكل يقابل ما يراه علماء الأعصاب أثناء النوم في الدماغ عند مسحه بواسطة جهاز الرنين المغناطيسي MRI، أما عند زيادة التيار، فقد أظهر الجهاز نمط تصرف يشابه ما يحدث عند يقظة الدماغ.
تكمن تطبيقات الجهاز ليس فقط في بناء حواسيب تعتمد الأسلاك النانوية ولا تستهلك طاقة كبيرة، وإنما تشابه أيضًا أنظمة طبيعية تقارب الفوضى كأحوال الطقس، والتي قد يسهل هذا النمط من الأجهزة محاكاتها. فقد نجح نفس الباحثين من استعمال أحد هذه الأجهزة النانوية للتنبؤ بنزعات إحصائية في أنماط الحركة المرورية للسيارات في مدينة لوس آنجلس استندوا فيها على أنماط من سنوات سابقة.
تحديث: شاهدوا آدم ستيغ Adam Stieg أحد أعضاء الفريق يتحدث عن البحث وعن التطبيقات العملية له:
نقلًا عن Phys.org