تتعلق نظرية التطور المبنية على الانتخاب الطبيعي بأساس التنوع الحيوي، وهي بالتالي لا تختص ببداية أو أصل الحياة على الأرض. ولكن من الممكن تطبيق مبادئ التطور الدارويني على المستوى الجزيئي لفهم السيناريوهات المحتملة لتفسير نشوء الحياة العضوية على أساس كيميائي بحت.
في بحث تم نشره مؤخرًا في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز Nature Communications، عرض فريق ياباني نتائج بحثه في هذه القضية وقدم نموذجًا محتملًا لآلية أصل الحياة الأولى abiogensis. وكان عنوان البحث «انتقال تطوري من متنسخ رنا وحيد إلى شبكة عديدة المتنسخات» Evolutionary transition from a single RNA replicator to a multiple replicator network.
تعتمد النظرية السائدة حول أصل الحياة فكرة أن جزيء الرنا RNA قد سبق الدنا DNA والپروتين، بحيث أن الرنا كان الجزيء المتنسّخ قبل حوالي 4 مليارات عام، ومع الوقت مر بتحولات أدت إلى بدء الحياة. وحتى نشر هذا البحث لم يتمكن أحد من تكرار هذه العملية مخبريًا.
في البحث المذكور قام الفريق بإجراء تجربة تنسُّخ طويلة الأمد لجزيء الرنا، تمكنوا فيها من مشاهدة انتقال نظام كيميائي بحت نحو تعقيد حيوي. ويقول ريو ميزووتشي Ryo Mizuuchi، وهو أحد أعضاء الفريق:
وجدنا أنا النوع الوحيد من جزيء الرنا قد تطور إلى نظام تنسخي معقد complex replication system: كشبكة تنسخية تتكون من خمسة أنواع من الرنا تتفاعل بين بعضها بطرق متعددة، مما يدعم معقولية السيناريو المنتظر لانتقال تطوري.
كان المميز لهذه التجربة عما سبقها استخدام الفريق البحثي لنظام رنا تنسّخي ممير فيه قابلية التطور الدارويني، كعملية مستمرة تديم نفسها بنفسها بناء على الطفرات والانتخاب الطبيعي، مما مكن صفات أخرى من الظهور، والتي تأقلم بعضها مع البيئة المحيطة، مما مكنها من البقاء.

الصورة a: نظام تنسخ الرنا. يتنسخ الرنا المضيف الأصلي عبر ترجمة متنسخة (إنزيم رپليكيز replicase) ذاتية التشفير، والتي يمكن بواسطتها تولد غالبية الرنا المضيف المتطفر والرنا الطفيلي.
الصورة b: رسم توضيحي لتجارب التنسخ طويلة الأمد في قطيرات ماء في الزيت.
ويضيف ميزووتشي:
بصراحة، شككنا في البداية أن جزيئات رنا متنوعة إلى هذا الحد ستتمكن من التطور التواجد معًا. ففي علم الأحياء التطوري ينص مبدأ الإقصاء التنافسي competitive exclusion principle على أنه لا يتواجد نوعان متنافسان على نفس المصادر، مما يعني أن على الجزيئات إيجاد سبيل لاستعمال مصادر مختلفة، الواحد تلو الآخر، لأجل ضمان استنواع مستدام. هذه ليست سوى جزيئات، فتساءلنا عما لو كان من الممكن لنوع كيميائي غير حي أن يطور تلقائيًا القدرة على هذا الابتكار.
هذا البحث ليس سوى خطوة أولى طبعًا، حيث يضيف ميزووتشي:
إن بساطة نظامنا التنسّخي الجزيئي مقارنة بالكائنات الحية تسمح لنا بفحص الظواهر التطورية بدقة غير مسبوقة. إن تطور التعقيد كما رأيناه في تجربتنا ليس سوى البداية. فلا بد من حدوث العديد من الأحداث اللاحقة قبل انبثاق أنظمة حية.
نقلًا عن جامعة طوكيو وOnlySky